بعد عملية الفردان زادت قوة منظمة التحرير الفلسطينية وزاد الغضب الفلسطيني و ربما يمكن اعتبار الفترة التي امتدت منذ اغتيال القادة الثلاث – النجار وعدوان وناصر من اكثر المراحل التي اتسمت بالعنف والغضب اتجاه اسرائيل حتى عملية الغزو التي قامت بها اسرائيل اتجاه جنوب لبنان عام 1978. اما اغتيال القائد ابو جهاد في تونس والذي أعتبر دوما القائد الأبرز للأنتفاضة الفلسطينية الأولى فقد ساهم وبشكل غير عادي في تأجيج و استمرار تلك الأنتفاضة وما زال حتى اللحظة بمثابة عامل تحفيز لأي عمل انتفاضي اتجاه الأحتلال الأسرائيلي. اما اغتيال الشهيد صلاح شحادة فلم يردع اي من قيادات حركة حماس بل ساهم في زيادة قوة الحركة وفعلها الغاضب في الشارع الفلسطيني.
لم يقتصر مفهوم الردع الأسرائيلي على قتل القادة الفلسطينيين, انما امتد واشتمل على القيام بعمليات عسكرية كبيرة وخاصة اتجاه الأراضي اللبنانية بدءا بالعام 1978, 1982 , وحرب تموز 2006, وجميعها لم تتمكن من ردع اي قوة مقاومة للمشروع الأحتلالي الأسرائيلي, فمنظمة التحرير الفلسطينية لم تفقد بوصلة النضال حتى بعد خروجها من الساحة اللبنانية, وحزب الله تمكن من دحر الأحتلال الأسرائيلي من جنوب لبنان في ايار 2000 فخرج هاربا كما وصف ذلك نوعام بن تسفي اخر قائد اسرائيلي في جنوب لبنان, واخيرا كانت حرب تموز على حزب الله والتي اعتبرتها اسرائيل حربا للردع, فلم تمكن اسرائيل من تحقيق اهدافها في تدمير حزب الله على الرغم من كل القتل والتدمير الذي مارسته اسرائيل اتجاه البنى التحتية لحزب الله بشكل خاص ولبنان بشكل عام.
يبدوا ان مفهوم العسكرة الذي قامت عليه اسرائيل منذ نشأتها, والعنجهية الغير مسبوقة نظرا لأعتقادها انها القوة العسكرية الأولى في منطقة الشرق الأوسط, وتجاهلها الدائم على انها قوة احتلال تساهم باضطهاد شعب اخر, واعتقادها الدائم انها ستبقى دوما قادرة على التهرب من المحاسبة من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته, وفي ظل الغطاء الذي توفره الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية للأنتهاكات الأسرائيلية المستمرة للحقوق الفلسطينية, دفعها ومازال الى الأستمرار بالأعتقاد انها من خلال الردع الذي تمارسه ستكون في مأمن من اية تداعيات نتاجا لأحتلالها للأرض الفلسطينية واضطهادها للشعب الفلسطيني. هذه التداعيات والتي بدأت تأخذ اشكالا جديدة لم يكن مصممي سياسة و فلسفة الردع في اسرائيل قد أخذوها بعين الأعتبار, وربما البعض تجاهلها معتقدا ان العالم سيبقى مغمضا لأعينه عما يجري للشعب الفلسطيني, حيث ان انتقال فلسفة النضال الفلسطيني الغير عنيف والتي بدأت تتسم بها نضالات الشعب الفلسطيني, بحيث اصبحت تشكل اداة عالمية مساندة للفلسطينيين وبرزت بشكل واضح من خلال قافلة سفن الحرية, الذي انتهج وسائل غير عنفية, متجليا ذلك بالعديد من النشطاء المعروفين بتاريخهم الأنساني وايمانهم بالوسائل الغير عنيفة كأداة نضال في أيدي الشعوب المقهورة, وبالتالي فأن ارهاب الدولة العابر للحدود معنونا كما هي العادة لدى صانعي السياسة في اسرائيل "الردع", قد خلق غضبا عابرا للحدود مستمدا قوته من وسائله الغير عنيفة.
يقول الناشط العالمي لحقوق الأنسان هيثم مناع ان القراصنة الصوماليين دأبوا على مهاجمة الكثير من السفن والسيطرة عليها واقتياد الركاب وحمولتهم, وعلى الرغم انهم يمارسون ذلك بشكل مستمر ومنذ سنين وتمكنوا من السيطرة على أكثر من سفينة الا انهم لم يقتلوا احدا. اما الجيش ألأسرائيلي المدرب والمجهز بكل وسائل القتال وتكنولوجيته وبعد ان هاجم سفن اسطول الحرية في المياه الدولية بكل مايعني ذلك من قرصنة, لم يتمكن من احكام عملية السيطرة الا بقتل جزء ممن هم على ظهر هذه السفن؟؟ بكل بساطة ان ذلك يؤكد الحقيقة التاريخية التي تؤمن بها اسرائيل كنظام ان ممارسة العنف وقمع الناس من الممكن ان تمثل اداة تردع الآخرين مستقبلا, ان الحقائق التاريخية والتي يزخر بها تاريخ الصراع العربي الأسرائيلي, تؤكد بوضوح تام على ان القمع والأرهاب هو فلسفة دولة ونظام. على ضوء تفجرالأنتفاضة الفلسطينية الأولى والتي كانت مصحوبة بزخم شعبي غير مسبوق, قرر أسحق رابين ان يمارس الجيش ألأسرائيلي في حين سياسية تكسر وتهشيم عظام الفلسطينيين, معتقدا بأن ذلك سيردع الفلسطينيين ويرهبهم ويوقفهم عن المطالبة بحقوقهم كشعب وقضية, لكن حقائق الأنتفاضة الأولى أكدت ان الأنتفاضة الأولى استمرت وزادت من حالة الغضب والتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني
.
الردع يولد غضبا – الشعوب بعكس الحكومات تماما, فالحكومات من الممكن ان تضعف وتستكين اذا ماشعرت بالخوف على مصالحها, وهي بطريقة او باخرى ترتهن لمفهوم الردع بمعناه العسكري الكلاسيكي, قد تبني جيشا وتعمل على امتلاك اسلحة استرتيجية محاولة بناء ما يعرف بتوازن الردع, اما الشعوب فالردع يولد غضبا واحتقانا لديها, عندما اندلعت الأنتفاضة الفلسطينية الثانية ايلول 2000, قامت اسرائيل بشن حملات عسكرية عنيفة اتجاه الشعب الفلسطيني واتجاه المؤسسات والبنى التحتحتية للسلطة الفلسطينية وأسمت تلك العملية "الحسم الأدراكي" بمعني تركيع الشعب الفلسطيني و دفعه الى حساب الربح والخسارة اذا ما استمر في عمله الأنتفاضي. ان ذلك بلا ادنى شك أثر على الشعب الفلسطيني وعلى القيادة الفلسطينية, ولكنه ايضا خلق ادوات جديدة من العمل والنضال لدى الفلسطينيين – مهاجمة الجدار الفاصل ما بين رفح و مصر من قبل الجماهير الفلسطينية,مظاهرات كسر الحصار اتجاه الحدود الأسرائيلية مع غزة, مظاهرات بيت جالا, المعصرة, بلعين, نعلين وما شابه, واخيرا البدء بحملة واسعة في المقاطعة, اما بالنسبة للسلطة الفلسطينية فربما كانت الحسابات مختلفة تماما.
كما تعودنا دوما فان الأقوال التي تتصف ببعض المعقولية والدقة فهي تأتي على السنة بعض المثقفين والصحفيين وجزء قليل من السياسيين في المجتمع الأسرائيلي, واما السياسيين في سدة السلطة الأسرائيليه فمنهجهم هو عنجهية الردع, وتبرير ذلك بكذب مفضوح كالقول بان قوة المونادوز والتي تعد من قبل قوات النخبة في الجيش الأسرائيلي قد تم مواجهتها بعصي واسلحة وهي بضاعة ليس من السهل على كل ذو عقل شرائها, على الرغم ان ذلك قيل من قبل قادة الجيش الأسرائيلي مشتركين مع مع وزير دفاعهم باراك في مؤتمرهم الصحفي الذي عقد يوم 31ايار بعد اتمام العملية, الا ان ايهود باراك نفسه وأثناء زيارته لموقع قوة الكاماندوز البحري الذي نفذ تلك العملية ( 2 حزيران 2010), وقف قائلا- "قدمت لأقول لكم شكرا على العمل الذي قمتم به, ومع ذلك يجب ان نفهم منكم التفاصيل, و أضاف علينا ان نتذكر دائما اننا لسنا في امريكا الشمالية او اوروبا الغربية. ونحن نعيش في الشرق الأوسط, في مكان لا يوجد فيه رحمة للضعيف وليس هناك فرصة ثانية لالئك الذين لا يدافعون عن أنفسهم" هآرتس 2 حزيران" وبالتالي نبقى اما حقيقة واحدة لا ثاني لها وهي الأصرار على القتل, كجزء من عنجهية التفوق ممزوجة بأدعاء الضحية, وبالتالي اطلاق النار على ركاب سفن قافلة الحرية داخل الحدود الدولية.
يبدو ان اسرئيل لم تأخذ بالحسبان وبما يكفي وربما تجاهلت ما ذا يمكن لسياستها القمعية, الاحتلالية والدموية ان تترك من أثر على المجتمع الدولى بمعناه المؤسساتي والجماهيري, فما يجري في قطاع غزة من عمليات قتل يوميه, ومحاربة الناس في عيشهم ورزقهم, والقصف والتدمير الذي قامت به اسرائيل أثناء حربها الأخيرة على غزة, يضاف الى ذلك ما يجري في الضفة الغربية والقدس من عمليات تطهير عرقي, هدم ابنية الفلسطينيين, مصادرة اراضيهم, الحواجز العسكرية التي زادت عن 600 حاجز منتشرة على طرق الضفة الغربية وما تتصف بها من اهانات واذلال بحق الشعب الفلسطيني, وجدار فصل عنصري حول مدن الضفة الغربية الى معازل وكنتونات. اعتقدت اسرائيل وبما ان المؤسسات الدولية الرسمية الكبرى لن تقوم بادانتها بسبب الدعم والغطاء الأمريكي, فان باقي القرارات والتوصيات التي من الممكن ان تصدر عن المؤسسات الحقوقية والأنسانية الدولية لن تترك أثرا كاف في فضح صورتها الحقيقية بأنها قوة احتلال تمارس الأنتهاكات بشكل منظم ومدروس. الأسرائيليين احتسبوا فقط الغضب المحلي واعتقدوا ان بامكانهم السيطرة عليه, و أقنعوا انفسهم بأن على شعوب العالم ان تعرف وتتكلم وتفهم اللغة العبرية فاسرائيل فوق الجميع.
e-mail- akram@fafo.ps
akatallah@hotmail.com
نقلا عن " معا"
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اترك بصمتك وشاركنا برأيك..