بلى، تستطيع أنقرة أن تنجز مهمّة أخرى تجد ما يعزّزها في الحصّة التي ستحصل عليها من الورقة الفلسطينيّة المبدّدة، وتالياً من الورقة العربيّة المفوّتة. وهذه المهمّة هي تحديداً تحسين شروطها للتنافس مع إيران. واحتمال كبير كهذا لا بدّ أن يعاود، من موقع مداور، ربط الوجهة التركيّة بالوجهة الغربيّة، إذ في حال كهذه ستعلو إرادة الجنرالات في أنقرة على إرادة «العدالة والتنمية». وأهمّ من ذلك أنّ تنافساً ضارياً كهذا يستأنف صراعاً على النفوذ بين الطرفين الإقليميّين، هو من تقاليد المنطقة، كما يستأنف نزاعاً مذهبيّاً لا يقلّ تقليديّة تتكاثر اليوم ساحاته.
ولا يفوت المراقب أنّ الصوت الإيرانيّ لم يُسمع في هذه المعمعة، علماً بأنّ الصراخ من شيم طهران. فهي بدت أكثر انشغالاً بأمور معارضتها وبذكرى الخميني، واقتصر رئيسها على الإدلاء بأحكام عامّة لا تسمن ولا تغني من جوع!
فهل نحن على عتبة صراع على المشرق، بالمعنى الذي كانه الصراع الخمسينيّ على سوريّة ما بين مصر والعراق؟ وهل نشهد مضاعفات صراع كهذا في غزّة وفي «حماس» وفي المحطّة الكرديّةّ شمال العراق وفي سائر المحطّات العراقيّة، بل في سوريّة ولبنان أيضاً، على أن تتولّى كلّ «ساحة» تلوين هذا الصراع بلونها، فيما يزايد كلّ طرف على الآخر بـ... فلسطين؟.
مثل هذا قد يكون خبراً جيّداً لكثيرين، إلاّ أنّه خبر سيّء لعرب المشرق أوّلاً، لأنّهم، وبأشكال وصيغ متفاوتة، يغدون «ساحات»، لا بلداناً، وللقضيّة الفلسطينيّة ثانياً. ذاك أنّ الأتراك اليوم، بعد إيران وبعد الأنظمة العربيّة، يبدون قدرة ملحوظة على استعمال تلك القضيّة المطروحة بسخاء للاستعمال. وقد يقال إنّ الصراع مع إسرائيل سيستمرّ في صيغة أو أخرى، بقيادة تركيا أو بقيادة إيران. لكنّ هذا شيء آخر غير قضيّة فلسطين المتروكة لانتهازيّين يبيعون الأوهام أو لسذّج تشتريهم الأوهام على شكل صراخ في الشوارع والصحف ومحطّات التلفزيون. وذلك، مرّة أخرى، مؤلم جدّاً.
* نقلا عن "الحياة" اللندينة
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اترك بصمتك وشاركنا برأيك..