انتدب جورج بوش الابن نفسه لتغيير ثقافة المنطقة ولتغيير أنظمتها تحت مسميات مكافحة “الإرهاب” “والفاشية الإسلامية” وأنظمة الدكتاتوريات المهيّأة لتعريض الأمن والاستقرار في العالم . لكن أوباما الذي بدأ ولايته بسلوك الانفتاح على الحوار والتفاوض والدبلوماسية وسياسة “القوة الناعمة” لم يسقط من قاموسه احتمالات الحرب ولكن كخيار أخير . سعى ولكنه لم ينجح في تقليص حجم الانتشار العسكري الأمريكي في العالم، وهو يعيد تأهيل وتوسيع القواعد العسكرية الأمريكية خاصة في الخليج وحول العالم القديم ونشر الدروع الصاروخية، وآخر ما يذكر على هذا الصعيد توسيع القاعدة العسكرية في البحرين والاتفاقات العسكرية مع دول الخليج في مواجهة التحدي الايراني.
على الصعيد الاقتصادي، تعتبر الوثيقة ان مصالح أمريكا في “الشرق الأوسط” حيوية ومصيرية خاصة الطاقة . وهي تسعى إلى صياغة علاقاتها بدول المنطقة على أساس من حماية هذه المصالح وبالتالي تعزيز علاقاتها مع دول الخليج الصديقة والحليفة . لا معايير أخرى ولا شروط أيدولوجية وثقافية . هناك واقعية مطلقة في التعامل.
أما إيران فستبقى الهدف الأساس للتلويح بالعقوبات، بالحصار، وبالخيار الأخير أي الحرب . ورغم كل الحديث الدائر عالمياً عن تباين النظرة الأمريكية -”الإسرائيلية” بل عن “عبء “إسرائيل” الاقتصادي والأمني والسياسي” لا تتردد الوثيقة عن حسم كل هذه التحليلات بإعادة تثبيت “إسرائيل” كجزء عضوي من الأمن القومي الأمريكي . لا يريد الأمريكيون حمايتها فقط بل “إدماجها في نظام الشرق الأوسط”.
الادماج يحمل دلالات مهمة، لا يعني ضمان الوجود كأي دول أخرى، بل ضمان الوظيفة والدور كجزء من التوازن الإقليمي . اذا صح هذا التفسير فتوازن القوى يجب ان يرجح في مصلحتها وتزال كل العوائق من أمام هذا الدور.
في السياسة الأمريكية “اسرائيل دولة لليهود”، اما الفلسطينيون فيمكن اعطاؤهم “دولة قابلة للحياة متواصلة” أي أنها ليست كامل اراضي1967 هناك تسليم مسبق لدولة اليهود باقتطاع جزء من الضفة الغربية ومن غزّة والحفاظ على بعض المستوطنات لأسباب أمنية وعلى بعض الاراضي الخصبة والمياه . هذه التسوية التي تسعى لها أمريكا تستخدم هذا الكيان الفلسطيني الهزيل جسر عبور لإدماج الدولة العبرية في المنطقة . إنها أفكار صهيونية قديمة تنبعث مجدداً في غموض غير بنّاء لان حق العودة يسقط وحق التجمع في الضفة والقطاع أيضاً غير ممكن واقعياً، وفي خلفية هذا المشروع التوطين، والتعامل مع القدس الشرقية كمركز ديني لا كعاصمة لشعب . هكذا يتعجّل نتنياهو المفاوضات المباشرة لأنه لا يقدم مسبقاً أي تعهد بمبدأ الأرض مقابل السلام ولا بالقرارات الدولية . يريد أن يفاوض سلطة “أوسلو” المتهالكة على ما يسميه حدوداً مؤقتة بانتظار ان ينجز الأمريكيون تغييرات في “الشرق الأوسط” تعطل الضغوط الآتية من الخارج . ومن اللافت أن الخطة الأمريكية تحدثت عن المفاوضات الثنائية في استعادة لتجربة كيسنجر ولما حصل حتى الآن من تجزئة للمسارات وتفكيك للجبهة العربية (كامب ديفيد، أوسلو، وادي عربة).
ولم يعد سراً أن عرضاً “إسرائيلياً” بهذا المعنى قدم لسوريا عبر أكثر من وسيط دولي، ورفضته سوريا كما قال رئيسها، لأنه بالضرورة يغطّي عندئذ اندفاعة سلطة “أوسلو” لمزيد من التنازلات بذريعة تراخي الوضع العربي.
اذا كانت أمريكا مع ولاية أوباما تعيد تثبيت هذه المرتكزات لاستراتيجية أمنها القومي حتى في ظل كل المتغيّرات التي تكبّل “إسرائيل” عن المغامرة العسكرية وتكبل أمريكا عسكرياً ومالياً، فإن المناخ الدولي لن يجنح نحو الاستقرار ولن يختط مساراً خارج حروب السيطرة، بل هو ربما يعزز الاتجاهات الفاشية والعنصرية التي تتنامى اليوم في كل مكان أمام حجم المشكلات المتعاظمة وأزمات النظام العالمي . ليس في استراتيجية أوباما ما يبعث الأمل من إدارة دولية عقلانية، وعلى كتفيه طغمة المجمعات المالية والصناعية والنفطية، والكثير من الأزمات الاجتماعية التي لا يمكن أن يضبطها اقتصاد السوق.
* نقلا عن "الخليج" الإماراتية
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اترك بصمتك وشاركنا برأيك..