دار الحديث مع هؤلاء المحللين والخبراء حول نهاية غضبة أردوغان أو الحدود التي ستنتهي إليها عاصفته على حماقة اسرائيل ومجزرتها ضد سفن المساعدات الإنسانية المتوجهة إلى غزة.
مع ذلك لم يطلق أردوغان ولا أي من قيادات حكومته العنان لخيال الزعامة والشعبية الجارفة التي تحققت له بعد تصريحاته الغاضبة عن المذبحة الاسرائيلية ضد المدنيين المسالمين المشاركين في قافلة الحرية. أمسك تماما بكل خيوط رجل الدولة العارف بتعقيدات السياسة الدولية، خصوصا روابط بلاده مع حلف الأطلسي والولايات المتحدة واسرائيل.
فبدلا من أن تكون تلك العلاقات المعقدة عبئا عليه وضغطا على قراره السياسي وردة فعله، حولها إلى أوراق للمناورة وللضغط على اسرائيل والولايات المتحدة في آن واحد.
استخدم أردوغان بذكاء مبادئ الشرعية الدولية وهو يطالب بفك الحصار عن غزة، وتحدث بلغة الديمقراطية داعيا العالم الغربي لمنح الفرصة لحماس لاثبات ديمقراطيتها وقدرتها على الاندماج مع خط الاستقرار والاعتدال، وفي الوقت نفسه لم يحلق في أجواء العداء والتهديد بالحرب واستعراض القوة، أي أنه لم ينجر للغة الشارع الحماسية أو أحلامه وخيالاته، ولم يتورط في سوق عكاظ الذي تعودنا عليه في مثل هذه الأحداث.
لا ينكر أحد أن تركيا واسرائيل ترتبطان بعلاقات سياسية وإقتصادية وعسكرية معقدة. معظم المقاتلات والدبابات التركية أمريكية الصنع جرى تحديثها في اسرائيل. انقرة تسعى منذ فترة للحصول على صواريخ باليستية اسرائيلية. بعض مناورات القوات الجوية الاسرائيلية تجري في الأجواء التركية.
هناك تعاون وثيق بينهما في مشاريع الطاقة المستقبلية، واستثمارات إقتصادية متبادلة، بالاضافة إلى العلاقات السياسية القوية القائمة على أن تركيا هي الصديق الأكبر لتل أبيب في المنطقة وهو ما عبر عنه أردوغان بتحذير اسرائيل من خسارة أقوى أصدقائها.
حول أردوغان العلاقات الثنائية الوثيقة إلى وسيلة ضغط، لم يهدد بقطعها، وترك نائبه في رئاسة الحكومة ليقول إنها ستظل ولكنها ستخفض إلى أدنى مستوياتها، فيما قال سفيره في الأمم المتحدة إن وقت الانفعال قد انتهى وعلينا الآن أن نهدأ.
عاصفة أردوغان استخدمت لغة دبلوماسية مزجت الشدة بالهدوء، فأضرت باسرائيل وكبدتها خسائر دولية وخصوصا وهو يصف حكومتها بأنها طاغية وإرهابية، أساءت لسمعة الشعب الاسرائيلي، وأحرجت إدارة أوباما في العالم الإسلامي .
أدار أزمة قافلة الحرية بشجاعة وقوة وحنكة سياسية، ولكن هذا لن يكون كافيا بدون حنكة سياسية مقابلة من الفلسطينيين تتخلى عن الخطابات الكلامية التقليدية العنيفة وتنهي الانقسام وتتوحد حول طاولة واحدة، متوقفة عن توجيه الاتهامات للغير بالتقاعس كما فعل اسماعيل هنية في خطبته يوم أمس الجمعة عندما اتهم قوى إقليمية بالصمت، وهو هنا يشير إلى دول مجاورة بعينها، في حين أن السيد حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني كان أكثر ذكاء وواقعية عندما أشاد بقرار مصر فتح معبر رفح.
كارثة قافلة الحرية أطلقت عاصفة أردوغان، وعلى العالم العربي وفي المقدمة حماس وسلطة رام الله انتهاز الفرصة بمصالحة شاملة وفورية لاحكام الحصار الدولي على اسرائيل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اترك بصمتك وشاركنا برأيك..