
لهذا فوجئت عندما قرأت ما كتبته صحيفة «التايمز» أن مصدرا أبلغها بأن السعودية وقعت مع إسرائيل اتفاقا سريا لاستخدام أراضيها لضرب إيران. قلت: أولا، لا يمكن أن يكون سرا صاعقا كهذا، ويذاع. وثانيا لا يمكن للسعودية التورط في حرب مع إيران.
والأهم من تحليل مصداقية المعلومة هو التعرف على سلوك الدول نفسها. فالسعودية تعتبر أكثر دول الشرق الأوسط تحفظا، وأشهرها في تجنب التورط في المغامرات العسكرية مهما كانت الإغراءات والأدوار السياسية. والحالة الاستثناء هي حرب تحرير الكويت التي كانت حربا مصيرية.
والسبب الأكثر أهمية لرفض الرواية أنه لا يعقل أبدا أن تسمح الرياض للإسرائيليين بعبور أراضيها لضرب إيران، لأن ذلك يعني عمليا إدخال السعودية في الحرب مباشرة مع الإيرانيين. وربما إذاعة الخبر هو في حقيقة الأمر هدفه إحراج السعودية وتخريب العلاقة السيئة أصلا بين الرياض وطهران. انخراط السعودية في حرب ضد إيران برغبتها أمر يستحيل أن تفعله، ليس فقط رفضا للمبدأ، بل أيضا لأنه يشكل مخاطر حقيقية على أمن السعودية وسلامتها. ولا ننس أن الرياض رفضت نفس المطالب التي قدمتها الولايات المتحدة عام 2003 عندما جهزت لغزو العراق، وبسبب الرفض السعودي لمنحها ممرات جوية وبرية اضطرت واشنطن إلى البحث عن ممرات أخرى، وسبب ذلك لاحقا فتورا في علاقات البلدين.
ويمكن التعرف على التفكير السعودي من خلال خمسين عاما من التعامل مع الصراعات الكثيرة في المنطقة. فهي على الدوام تبتعد عن التورط في المواجهات العسكرية مهما بلغت حدة الخلافات السياسية. وأعتقد أن السياسيين في الرياض يدركون جيدا أن إيران ليست بالدولة الصغيرة، ويتواجهون معها بأكبر ساحلين على ضفتي الخليج. ويعرفون أن الانخراط في مشروع حرب، مثل السماح للطيران الإسرائيلي أو حتى الأميركي، يدخل – عمليا - السعودية في حرب مع إيران، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتائجها بعد ذلك، وقد تورط صدام حسين لثماني سنوات في حرب مروعة مع الإيرانيين بسبب حماقته.
السعوديون بالتأكيد قلقون من المشروع النووي الإيراني، ويخشون أنه موجه ضدهم وضد بقية دول الخليج، لكن هذا الشك لا يمكن أن يكون دافعا لارتكاب مغامرة حرب مدمرة مع دولة تكبر السعودية ثلاث مرات.
* نقلا عن "الشرق الأوسط" السعودية
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اترك بصمتك وشاركنا برأيك..