البيت | أخبار
2010-10-24 09:35:55 - الكاتب : رتان_ بقلم د.حسن أبو سعود | |
عندما كنت صغيرا كنت أعجب من كلمة البحر، وكان البحر يعني لي الزرقة الممتدة المتصلة بالسماء ويعني الرزق الوفير والخيال الواسع وصفاء النفس وراحة البال، فإذا كانت كل هذه المعاني الجميلة تتجه نحو بحر واحد فكيف الحال إذن مع بحرين اثنين، لا شك إنها تتضاعف وتُضاف اليها قصص طيبة أهل البحرين وبساطتهم، هي قصص ظلت عالقة في ذهني منذ الصغر، وتأكدت لي صحة هذه القصص في مرحلة الشباب عندما التقيت الكثير من أهل البحرين في دول مختلفة، ولكن عندما وجدت نفسي ذات يوم احمل حقيبتي خارجا من مطار البحرين رأيت الأشياء على حقيقتها وقد شممت رائحة الطيبة أولا من ضابط الجوازات في المطار وكان شابا لطيفا جدا في التعامل، لا تفارق الابتسامة محياه، وكأنه يعلم بان الانطباع الأول للزائر هو الانطباع الأخير، كما يقول المثل الانجليزي، وان المطار عنوان للبلد، فكانت الإجراءات عادية سريعة وحسن التعامل، فلا تعبئة للكروت ولا وجع رأس، وقد أعطيت إقامة ثلاثة أشهر تمنيت أن اقضيها كلها هناك وظلت الطيبة تسير معي حيثما أسير سواء مع سائق التاكسي أو في المطاعم ومع عامة الناس عندما اسألهم عن طريق أو شارع أو داخل مسجد احمد الفاتح، حيث وقفت بإجلال أتأمل جمال العمارة، وضخامة الثريات، وروعة التصميم، فضلا عن برودة المكان الذي يعتبر ملاذا للغرباء، من حر الصيف اللاهب، وكأنه نسيم الجنة يهب على العباد. رأيت المصلين في درس بليغ للسواسية يقفون في صف واحد بغض النظر عن مراتبهم وجنسياتهم وألوانهم، وقد دعوت ربي هناك بفنون الدعوات ولم اشعر باني انتمي الى مذهب معين بل لدين واحد ولم أجد تناغما بين المذهبين أجمل منه في البحرين، وبعد الصلاة رأيت عدة مجاميع من السائحين الأجانب يدخلون المسجد وامرأة مبرقعة ترشدهم الى أقسام المسجد وتشرح لهم بطيبة متناهية تاريخ المسجد وسماحة الدين الإسلامي وتقول لهم التصوير مسموح، ولكم أن تلتقطوا الصور التذكارية، وكأن لسان حالها يقول: انه بيت ربكم وانتم عباده مهما اختلفت دياناتكم، وعندما ارتفع صوت الآذان لصلاة العصر لم يفزع السواح وكانهم يقولون إن الاسلاموفوبيا كذبة كبيرة اخترعها أعداء الإسلام فالمكان يعكس جلال الإسلام وجماله وسماحته. أحلى ما في البحرين هو الأمان وأجمل صفة لأهل البحرين أنهم طيبون فالطيبة ذكاء والخباثة غباء واذكر باني سالت احدهم عن مسجد قريب فدعاني الى بيته لأصلي فيه وسيتبع ذلك لا محالة شاي وقهوة وقد يؤدي الى وجبة طعام، كل هذا وهو لا يعرفني ولكنه يريد أن يقول للعالم بأنه بحريني، ويمكن لمس الطيبة بوضوح أثناء زيارة محلات بيع الحلوى البحرينية الشبيهة بــ (العمانية) المنتشرة في كل مكان حيث يقدم الحلوى مجانا للتذوق مع القهوة العربية الأصيلة، وكنت كلما اشتقت لأكل الحلوى اللذيذة دخلت أي محل لأتذوقه واخرج مبتهجا مع رغبة في العودة. لقد سافرت الى البحرين في الصيف، فقال لي أناس أنت ذاهب للحر الشديد ولن تخرج من البيت، أخافوني مع إني ابن الحر، أحبه وعشت معه في دول أخرى، ذهبت للاسترخاء والرمل الأبيض والهدوء، وضعت همومي كلها في كيس رميته في البحر وعشت في صفاء مع نفسي لأكثر من عشرين يوما قضيتها في الأسواق والسواحل والمتاحف والحواري الشعبية، أذهلني تعدد اللهجات في البحرين واختلافها من قرية الى قرية، وقد لا يفصل بينهما سوى شارع واحد، وكنت أحب أن اقضي معظم الوقت عند باب البحرين وسط المنامة فاجلس على احد المقاعد وارمق المارة من الجنسيات المختلفة منبهرا بحركة الناس في كل الاتجاهات، وكنت إذا شعرت بالتعب ألقيت نفسي في اقرب تكسي ليعيدني الى الفندق، وتعرفت على احد السائقين حيث اخبرني بأنه كان يعاني من الكآبة ولكنه تغلب عليها بقوة الإرادة دون اللجوء الى الدواء، وضمن ما قاله لي: بان الكآبة مرض العباقرة، مرض الخاصين من العميقين، والعميق لا يثق بأحد، فهو يرى نفسه مميزا ولكنه غير مفهوم من الآخرين، يغني خارج السرب ولا يستطيع أن يغير العالم، وان أكثر المكتئبين مغرورين وحساسين للغاية ويرون في أنفسهم مزايا كثيرة، عجيب إنها صفات تنطبق عليّ أيضا ولكني سأتعلم من هذا السائق البحريني تقنية التغلب على الكآبة بقوة الإرادة. لقد وجدت الفرد البحريني يعمل في كل المجالات بلا تعال ولا غرور، إذن فهو مكافح وجاد في التعامل مع الحياة، ورأيت المرأة البحرينية، بحشمتها في كل مكان، جنبا الى جنب الرجل، تشاركه في نهضة وطنها. إن كان للبحرين أسماء أخرى مثل ديلمون وتايلوس وارادوس فانا أقول بان من أسماءها أيضا (الطيبة المتناهية) وقبل أن أغادرها، قررت أن أجمل هدية آخذها لمن أحب، هي علب من الحلوى البحرينية الذهبية اللون، وعندما غادرت الطائرة ارض المطار، أطللت من النافذة، وسلمت على البحرين، وأهلها، ورأيتني ما زلت جالسا في باب البحرين، اردد غناوي عشق، ليلى السيد: على مودك لأسطر عشق بحريني واخلي أهل العشق تنطر مواويلي على مودك لأسطر عشق بحريني واصيرن للسفن مرسى واصيرن في العشق موال واصيرن للسواحل رمال ويبقى الحديث عن ذكريات البحرين وجولات المحرق والجفير والمنامة وراس رمان وعين عذاري حديث العشق والشوق، حديث الوله والهيام، حديث الأرض التي تحبب نفسها للزائرين فيشتاقون لعناقها من جديد، حديث السماء الصافية التي ترتبط بزرقتها ببحر الخير المحيط بجزر البحرين، حديث اللؤلؤ والتاريخ السحيق لشعب البحرين الآمن المسالم. aabbcde@msn.com لارسال مواد ratannews@hotmail.com . | |
البيت أرسل خبر أضفنا للمفضلة | |
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اترك بصمتك وشاركنا برأيك..