البيت | أقلام حرة
2010-11-27 12:25- الكاتب : رتان | |
الكاتب: د. أحمد يوسف هناك فهم خاطئ للحالة الإسلامية في فلسطين، واتهامات بعيدة عن رؤية حماس لنفسها ومشروعها السياسي، والتعاطي معها وكأنها حركة متطرفة بغايات شبيهة بالقاعدة وطالبان، الذي يتحامل الغرب عليهما في سياق اعتبارات أمنية وسياسية خاصة.. لاشك بأن قيادات في الحركة والحكومة قد عبرت عما تراه توصيفاً لحالها بالنظر إلى حماس، باعتبار أنها حركة تحرر وطني فلسطيني، وهي حركة سياسية - جهادية، تستمد مفاهيمها وقيمها من الدين الإسلامي الحنيف، وتعمل على تحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي بكافة الوسائل المشروعة، وتعمل على تقديم الخدمة لأبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وفي جميع المجالات التي تسمح بها الظروف والأحوال. . وهي حركة تأخذ – بشكل عام - بنهج الاعتدال والوسطية، ولا تعادي في الأصل إلا الاحتلال الذي سلب الشعب الفلسطيني أرضه؛ فاليهود والنصارى هم أهل كتاب، والمسلمون كانوا - عبر التاريخ - هم الحضن الدفيء والسماء الآمنة لأهل الكتاب؛ يحترمون عقائدهم ويحفظون لهم عهودهم ومواثيقهم. إن دولة الاحتلال المارقة تحاول - دائماً - تشويه صورة حماس وإظهارها وكأنها شكل من أشكال طالبان والقاعدة، كما أن قياداتها السياسية والعسكرية لا تتوقف عن الإشارة بأن هناك خلايا للقاعدة في غزة، وأن الحكومة تغض الطرف عن النشاطات التي تقوم بها التيارات الإسلامية (المتطرفة)، وأن القطاع يتحول يوماً بعد يوم إلى بيئة إسلامية يتعاظم نمو هذه التيارات داخلها..!! إن القادة في إسرائيل يفقهون أكثر من غيرهم لعبة السياسة الدولية ويعلمون بأن أقصر الطرق للحصول على دعم وتعاطف المجتمع الدولي والرأي العام الغربي مع ما يقومون به من عدوان، وغض الطرف عن جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني هو اللعب على فزّاعة "القاعدة والأصولية الإسلامية"، ولذلك نجدهم – دائماً- يعزفون على هذا الوتر الذي يطرب له الغرب؛ القضاء على التطرف ومحاربة (الإرهاب) الإسلامي..!! ونحن نعلم من خلال متابعتنا لإستراتيجيات إسرائيل خلال العقدين الماضيين، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كيف حاولت أن تقدم الإسلام بأنه الخطر الجديد على المصالح الغربية، وأصبحت تروج لمقولة "الأصولية الإسلامية هي العدو".. إن إسرائيل وجدت نفسها في حالة لا تحسد عليها، حيث إن سقوط المعسكر الشيوعي سوف يقلل من اعتماد الغرب عليها بالشكل الذي كانت عليه إبّان الحرب الباردة، حيث كان دورها الوظيفي – آنذاك - هو إذكاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وإبقاء المنطقة في حالة من التوتر الدائم. قد تكون إسرائيل نجحت – جزئياً - في تسويق مقولتها حول الأصولية الإسلامية من خلال بعض العمليات التي قام بها تنظيم القاعدة في التسعينيات ضد بعض السفارات والمصالح الأمريكية في القارة السوداء، إلا أن ذلك ظل محدوداً في مساحة الزمان والمكان. ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي أدت إلى تدمير برجيّ مركز التجارة العالمي في نيويورك بكل ما فيه من مقرات مالية ومراكز أمنية، حدث التحول/الانقلاب في السياسة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي والحركات الإسلامية، وأضحت الإستراتيجية الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش هي "الحرب على الإرهاب"، وهذا معناه استهداف الإسلام والحركات الإسلامية - وخاصة حركات المقاومة منها – والعمل للقضاء عليها بذريعة محاربة الإرهاب. انتعشت ماكينة الدعاية الإسرائيلية، ونشطت حملات استهداف حركة المقاومة الإسلامية، حيث تمت تصفية الكثير من قياداتها العسكرية والسياسية باعتبار أن حركة حماس هي ضمن قائمة الحركات الإرهابية. لم تتغير السياسة الأمريكية طوال فترة حكم الرئيس بوش والتي استمرت 8 سنوات.. ومع مجيء الرئيس أوباما، حاولت الإدارة الجديدة القيام بمبادرة للمصالحة مع العالم العربي والإسلامي، وكان خطاب الرئيس أوباما في أنقرا والقاهرة بالإعلان عن توجهات جديدة أساسها أن لا حرب جديدة مع العالم الإسلامي، وأن أمريكا ستعطي الأولوية لحل القضية الفلسطينية. لم تنتظر إسرائيل طويلاً في تحريك ماكينتها الدعائية ولوبياتها السياسية لاجهاض جهود الرئيس أوباما في تحقيق السلم والاستقرار والأمن بالمنطقة.. وفعلاً، تمكنت من سحب أوراق القوة التي كانت بيد الرئيس أوباما بعد الانتخابات النصفية حيث خسر الحزب الديمقراطي رئاسة الكونجرس، وهذا معناه أن الجمهوريين المواليين لاسرائيل ستعود إليهم مقاليد السياسة وأجندتها الدولية من جديد. اسرائيل – كعادتها- وقد وجدت نفسها في ورطة مع المجتمع الدولي بعد حربها على غزة وإدانتها في تقرير جولدستون بارتكاب جرائم حرب، وجرائم بحق الإنسانية، ثم تكرار الإدانة لها في التقرير الأممي لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، والملاحقة القضائية في العديد من الدول الأروربية للكثير من قيادتها العسكرية والسياسية.. اسرائيل اليوم تحاول قلب الطاولة واشغال المجتمع الدولي والرأي العام الغربي بأحاديث بعيدة عن اسرائيل؛ الجريمة والعقاب. إسرائيل – اليوم - تُحضّر لائحة اتهام لحماس لتأخذ بموجبها الضوء الأخضر في توجيه ضربتها العسكرية لغزة، والتي تستهدف إضعاف حكومة هنية، وكسر شوكة المقاومة الإسلامية في القطاع. ولذلك، تأتي التصريحات المتكررة لدى السياسيين والعسكريين في اسرائيل بأن حماس والجهاد الإسلامي يكدسان السلاح في غزة، ويقومون بهجمات صاروخية ضد العمق الإسرائيلي.. وإشارات أخرى حول امتلاك القسام لصواريخ تهدد الملاحة الجوية الإسرائيلية ونحو ذلك من الإدعاءات، كل ذلك بهدف التهويل من خطورة الحالة الفلسطينية في قطاع غزة. ولعل ما ذكره "دان مريدور" نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الإستخبارات والطاقة النووية لشبكة (BBC) يوم 21 نوفمبر 2010 بأن تنظيم القاعدة العالمي يحاول أن يجد له مكاناً في غزة، وهذا يشكل عاملاً لعدم الاستقرار، وقال "أعتقد أن الاستقرار في تلك المنطقة يتطلب غزة أخرى وليس غزة محكومة بحماس والجهاد الإسلامي والقاعدة ومنظمات شبيهة..!!" هذا إذن هو مربط الفرس، وحجر الزاوية في ما تتطلع إليه إسرائيل؛ إقصاء حماس من ناحية، والقضاء على قدرات الفعل المقاوم لدى كتائب القسام وسرايا القدس من ناحية أخرى. قطاع غزة: جنة الوطن وليس الدولة بعد الأحداث الدامية التي وقعت في يونيه 2007، وحسم ساحة قطاع غزة عسكرياً لصالح حركة حماس، تكاثرت الادعاءات والاتهامات على ألسنة بعض المسئولين في السلطة الفلسطينية وفي العديد من وسائل الإعلام الغربية بأن حماس تريد إقامة إمارة إسلامية في غزة، وسمعنا مصطلحات مثل "حماسستان" و"إمارة الظلام"..الخ لقد حاول بعضهم البناء على ممارسات فردية أو اجتهادات لبعض العناصر في الداخلية والأوقاف بأن حكومة إسماعيل هنية شرعت في تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود..!! لاشك بأن موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية كان ومازال مطلباً مطروحاً على الحركة والحكومة من علمائها وكوادرها، إلا أن التفهم لواقع الاحتلال وللظرف السياسي والحياة الاجتماعية المحافظة، والتي لا تخرج في جوهر سلوكها وقوانينها عن المظهر الإسلامي العام، يجعل مثل هذه الأصوات تتراجع عن إلحاحاتها وتقبل بحقيقة ما هو قائم، للحفاظ على سلامة النسيج الوطني من التهتك والتفكك والانهيار. لقد طرح الكثير من الصحفيين والشخصيات الاعتبارية الغربية - الذين وفدوا لزيارة غزة بهدف معاينة الأوضاع وتقييمها - سؤال (الدولة الإسلامية في قطاع غزة) على رئيس الوزراء إسماعيل هنية في محاولة لتجلي حقيقة هذا الأمر.. وكان جواب الأخ (أبو العبد): إننا لا نسعى لإقامة دولة في قطاع غزة، فهي بمحدودية إمكانياتها لا تصلح لذلك، هذا من ناحية، ومن الناحية السياسية والوطنية ولاعتبارات إستراتيجية نقول إنه: "لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة"، فنحن لا نسعى لإقامة كيان منفصل في القطاع، وبالتالي لا إمارة ولا إمبراطورية أو أي شيء من هذا الكلام. وأضاف "إن الحكومة في غزة هي حكومة منتخبة، وهي ملتزمة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبالديمقراطية والتعددية وحماية الحقوق العامة وعدم التدخل في الحياة الخاصة، على قاعدة حماية حقوق الإنسان الفلسطيني وعدم المس بكرامته.. إن حكومتنا موجودة في ظل ظروف استثنائية وأية تجاوزات أو أخطاء تقع نسعى لمعالجتها أولاً بأول.. أما يتصل بإسلامية الدولة، فإن من الصعب تحديد هوية الدولة قبل إنشائها، حيث إن هوية الدولة مرتبطة بشيئين: أولاً؛ تحرير الأرض وإقامة كيان سياسي عليها، ثانياً؛ إعطاء الشعب الحق في التقرير والاختيار.. نحن صحيحٌ إسلاميون، ولكننا سوف نحترم خيار شعبنا؛ فإذا أراد الشعب أن تكون إسلامية فهذا ما سنعمل على تطبيقه والالتزام به، وإذا كان الأمر غير ذلك فنحن نتفهم ونقدر ذلك أيضا.. على أي حال، قد يكون من المبكر الدخول في تفاصيل هذه المسألة الآن، ونحن لا نريد أن نختلف على جلد الدب قبل اصطياده" كما يقولون. ختاماً.. نقول للإسرائيليين العبوا غيرها، فنحن نعيش في عالمٍ مفتوح على الحقائق، ولم يعد يتقبل هذا المسلسل من الادعاءات والأكاذيب الذي درجت عليه ماكينة الدعاية الصهيونية.. إن قطاع غزة هو قلعة للدفاع عن الحق الفلسطيني ومقاومة الاحتلال، وهو تربة خصبة للتطور الحضاري؛ أجنحته مبسوطة للتواصل مع المجتمع الدولي وخلق تفاهمات تسهم في تحقيق الاستقرار والأمن والازدهار بالمنطقة. د. أحمد يوسف/ وكيل وزارة الخارجية- غزة لارسال مواد ratannews@hotmail.com . | |
البيت أرسل خبر أضفنا للمفضلة | |
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اترك بصمتك وشاركنا برأيك..