ما زال سكان قطاع غزة على وجه الخصوص، يرفعون التساؤل بشأن مصير الانقسام، الذي وقع منذ ثلاث سنوات تقريباً، دون أن يتلقّوا جواباً واضحاً من أيِّ طرف، ويتساءلون، أيضاً؛ لماذا عليهم أن يدفعوا ثمن هذا الانقسام، المرفوض سياسياً وأخلاقياً وقانونياً..؟!!
عند بداية وقوع الانقسام، وبعد أن وَقَع وأصبح أمراً ملموساً، ساقت حركة "حماس" جملة من المبررات، التي بدت، في حينه، أنها لحظة، ومن طبيعة إصلاحية، غير أن الأيام اللاحقة أنتجت ظروفاً تجاوزت كل المبررات التي سيقت، ليصبح على الفلسطينيين أن يتعايشوا مع وقائع وواقع الانقسام وكأنه جزء من مصلحة الشعب الفلسطيني ينبغي الحفاظ عليه.
ومنذ اللحظة الأولى لوقوع الانقسام، كان الكلّ الفلسطيني، سياسيون ومثقفون وفصائل، وحتى المواطنون، يعتبرون أن الانقسام واستمراره يشكّل مصلحة للاحتلال، وان الشعب الفلسطيني وقضيته يدفعون ثمن هذا الانقسام خسارة صافية.
وانطلاقاً من المبررات التي سيقت في البدايات، كان الاعتقاد السائد على مختلف المستويات الشعبية والرسمية، أن هذا الانقسام سينتهي في أقرب وقت، وسيفضي إلى جهد وطني فعّال يستهدف إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني ومؤسساته، على نحو أفضل مما كان عليه الحال قبل الانقسام.
التفاؤل والأمل الذي تولّد في الأيام الأولى لوقوع الانقسام، رغم مرارة الصراع، ورغم الإقرار الحاسم بخطأ وقوع الانقسام، ذلك التفاؤل، تحوّل إلى يأس واحباط، وميل للتكيف مع واقع الحال.
ثمّة مشكلة تتّصل بغياب الوضوح، بل بتعمّد الغموض بشأن الواقع القائم، إذ يفتقر خطاب الأطراف للناس، للشفافية والمصارحة، رغم كثرة الحديث عن مخاطر استمرار الحصار والانقسام، وحالة الصراع الداخلي. على أن ما تقصّر في توضيحه والاعتراف به التصريحات الإعلامية، تفضحه الوقائع على الأرض، فهنا يتم بناء نظام سياسي آخر، مواز للنظام السياسي القائم في الضفة الغربية، الأمر الذي يذهب بحالة الانقسام السلطوي والسياسي، والفصائلي، إلى أبعاد مجتمعية، نفسية، ثقافية، وحقوقية شاملة.
الانقسام الفلسطيني الذي يشكّل انجازاً تاريخياً مهماً لإسرائيل، كما وصفه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، أصبح سبباً رئيسياً في الانقسام العربي حول القضية الفلسطينية، والقضية الفلسطينية ذاتها أصبحت بعنوانين ورسالتين وسلوكين موجّهين للعالم الخارجي.
الانقسام العربي والتجاذبات الاقليمية والدولية، أصبح بدوره يشكّل غطاء ومغذياً للانقسام الفلسطيني، وكان أيضاً سبباً رئيسياً في إفشال المبادرات المصرية من أجل المصالحة واستعادة الوحدة.
بعد رفض حركة "حماس" التوقيع على الوثيقة المصرية، توقفت كل المحاولات، وأصبح على الفلسطينيين والعرب أن يتعايشوا مع ظاهرة الانقسام الفلسطيني. كما أصبح على الناس أن يتكيفوا مع المعانيات التي يولدها واقع الانقسام والحصار المفروض على قطاع غزة.
لم تعد قضية المصالحة موضع اهتمام ومتابعة، حتى على الصعيد الإعلامي ما خلا بعض التصريحات التي تدعو للوحدة، واستمرار الاتهامات والرد عليها، فضلاً عن استمرار الأفعال وردود الأفعال عليها.
في هذا السياق، يدفع الغزيون ثمناً باهظاً بسبب الانقسام والحصار الذي يئنّ تحت وطأته قطاع غزة منذ أكثر من ثلاث سنوات.. بطالة متزايدة، وقيود شديدة على الحركة، فقر متزايد، وتدنّ لكلّ أنواع الخدمات، شعور بالعجز، واليأس، وتراجع الثقة بالقيادات والفصائل، وكلّ ذلك مع النواتج باهظة التكلفة للعدوان الإسرائيلي المجرم، وعدم القدرة على إعادة بناء ما دمّره الاحتلال.
فوق هذا، ولكلّ الوقت، ينتظر الغزيون عدواناً مجرماً آخر، لم تتوقف إسرائيل عن التهديد والوعيد، للقيام به، فيما يظلّ التساؤل؛ لماذا ولمصلحة مَن يتم دفع كل هذه الأثمان؟
لقد صبر الناس كثيراً، وصمدوا في وجه العدوان الإسرائيلي المتكرر، وهم مستعدون لمواصلة دفع ثمن الحرية، ولكن؛ لماذا عليهم أن يدفعوا ثمن الصراعات الفصائلية والبرامج والتطلعات الخاصة؟
أول من أمس، أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بياناً فريداً من نوعه، ويتمتع بجرأة عالية.. كان من باب أوْلى أن يصدر عن الفصائل الفلسطينية غير المنخرطة في الانقسام، وغير الراغبة في استمراره.
بيان الشعبية الذي تم توزيعه في القطاع على نطاق واسع، جاء في لحظة غضب مكتوم، يعبّر عنه الناس همساً، وأحياناً علناً خوفاً من ردود الفعل، وبهذا فإنّ "الشعبية" تكون قد استظهرت وتبنّت قضية شعبية واسعة تتصل بهموم الناس.
البيان نقل بصدق معاناة الناس من العدوان الإسرائيلي، ومن الانقسام، وتحدّث عن جملة من إجراءات فرض الضرائب على الناس، اتخذتها الحكومة المقالة مؤخراً وتباعاً، من شأنها أن تضاعف من هموم الناس وتقوّض حالة الصمود في المجتمع الفلسطيني.
في الواقع، فإن هذه الضرائب تثقل، بشدّة، كاهل المواطن، الذي يتساءل، أيضاً، عن حقوقه، فهو يفهم أن الواجب مقرون بالحقّ، إذ يترتّب على الحكومة القائمة أن تقدم للناس خدمات مقابل دفع الضرائب.
على كل حال، من المتوقع أن يحدث بيان الشعبية، أفعالاً وردود أفعال، إيجابية على مستوى المواطنين، وسلبية بالنسبة لحركة "حماس"، ولكن هناك قضية هامة تحتاج الى نقاش، وتحتاج الى التحلّي بروح المسؤولية الوطنية، فالناس هم الأساس، وعلى الفصائل والسلطات، أيّاً كانت، أن تراعي ظروف المواطنين، وعوامل الصمود.
في ضوء هذه المناخات المتشائمة، يثور السؤال؛ إلى متى ينتظر الفلسطينيون تدخّلاً أو وساطة عربية أو غير عربية لإنهاء انقسامهم؟ أوليس من الأفضل أن تجلس كافة الأطراف الى طاولة وطنية، وأن تتمتع بإرادة الاستجابة لمبادرات داخلية هي الأقدر والأجدر، لإنجاز اتفاق يعيد إليهم وحدتهم؟!















































































































0 التعليقات:
إرسال تعليق
اترك بصمتك وشاركنا برأيك..