فالرئيس أبو مازن أقدم على ثلاث خطوات إيجابية أشاعت أجواء من التفاؤل.
الخطوة الأولى تمثلت بتشكيل وفد قيادي في الخامس من حزيران ضم أعضاء من اللجنة التنفيذية وأعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح وممثلي عدد من الفصائل والشخصيات الوطنية، الأمر الذي حول الدعوة التي أطلقتها القيادة الفلسطينية إثر المجزرة الى تحرك جدي، وذلك ظهر في أن الرئيس فوض وفد المصالحة في كتاب رسمي صادر عنه بتذليل العقبات والعراقيل التي تحول دون توقيع وتطبيق الورقة المصرية. وهذا يعكس تحولاً في الموقف كونه يعني إمكانية استئناف الحوار لتذليل العقبات قبل توقيع الورقة المصرية وبهدف توقيعها.
الخطوة الثانية التي أقدم عليها أبو مازن هي إعطاء ورقة موقعة للنائب جمال الخضري الذي اجتمع معه في عمان في الخامس من الشهر الجاري، وهو شخصية غزاوية مقربة من "حماس" ونصت الورقة على ما يلي :
الملاحظات من الفصائل الفلسطينية على الورقة المصرية يتم حلها بالتوافق الفلسطيني بعد التوقيع على الورقة.
وهذا يعني تقدماً الى الأمام لأن تطبيق الورقة سيتم بالتوافق، ولكنه تقدم بحاجة الى استكمال بحيث يتم التوافق على الملاحظات قبل التوقيع خشية من أن لا يحدث بعدها، لأن ذلك يشكل دريعة لـ "حماس" لعدم التوقيع .
الخطوة الثالثة التي أقدم عليها الرئيس تمثلت بموافقته على المبادرة التركية المتمثلة بعقد اجتماع في القاهرة بمشاركة ممثلين من "فتح" و"حماس" ووزيري خارجية تركيا ومصر على أن ينتهي الاجتماع بتوقيع "حماس" على الورقة المصرية مقابل أخذ الملاحظات بالحسبان عند التطبيق.
للأمانة والتاريخ لا بد من القول إن حركة حماس بدورها اقدمت على خطوة إيجابية ملموسة هامة تمثلت بالتنازل عن مطلبها السابق بفتح أو تعديل الورقة المصرية، لكي تتضمن ملاحظاتها عليها، ووافقت على استقبال وفد المصالحة المشكل من الرئيس بعد تردد، في دمشق وغزة، بعد أن أطمأنت الى ان الوفد جدي وأنه يفكر بحمل صيغة جديدة تتمثل بالتوصل الى تفاهمات فلسطينية -فلسطينية يتم لاحقاً التفكير في شكلها ومضمونها وكيفية اخراجها، وهل ستكون وديعة أم لا، رسمية أم لا، ومن سيضمنها، الوفد أم الجامعة العربية أو هيئة متابعة مصرية عربية (وفد تكون بمشاركة من اطراف اخرى ) بدون فتح أو تعديل الورقة المصرية حفظاً لهيبة ودور مصر، وبما يتناسب مع توقيع حركة فتح عليها، وبما يضمن أخذ الملاحظات عليها بالحسبان عند تطبيقها.
وقد بلورت وأكدت "حماس" موقفها الجديد بإرسال مقترحات للمصالحة مع عمرو موسى، تؤكد هذا المضمون، بالإضافة الى اقتراح من رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية بتشكيل حكومة تكنوقرط فور التوقيع على الورقة المصرية، هذه الفكرة التي طرحها ايضا الرئيس ابو مازن حين دعا في تصريحات علنية الى تشكيل حكومة مستقلين (يمكن أن تكون تكنوقراط)، وهذا تطور لأن هذه الفكرة غير واردة في الورقة المصرية، وتمثل رغم تعقيداتها الكبيرة خطوة كبيرة الى الأمام، لأن نقطة ضعف الورقة المصرية تكمن في انها استبدلت فكرة تشكيل حكومة وفاق وطني أو حكومة وحدة وطنية اثناء المرحلة الانتقالية، بفكرة تشكيل لجنة فصائلية من شأنها أن تبقي على الانقسام وعلى وجود حكومتين واحدة في الضفة والثانية في غزة، لحين إجراء الانتخابات، ما ينطوي على احتمال بأن يبقى هذا الوضع طويلاً، ما يشكل تعايشاً مع الانقسام وتكريساً له، بقصد او بدون قصد، لا يهم بل يبقى ان الانقسام سيستمر حينها حتى إشعار آخر.
بعد هذه التطورات الايجابية التي رافقها قبول مبدئي لفكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات القادمة مهما كانت نتائجها، الامر الذي يمكن ان يطمئن الجميع انه لن يقصى بل سيشارك، مهما حصل عليه من اصوات .
كل ما سبق اشاع أجواء إيجابية وجعل الأمل بالمصالحة يحلق في السماء الفلسطينية مجدداً، الى ان حدثت انتكاسة اعادت الامور بسرعة الى نقطة الصفر، حيث عاد الحديث مرة اخرى، كما شاهدنا في البيان الصادر عن اللجنة التنفيذية في اجتماعها الاخير، الذي نص على ضرورة قيام "حماس" بالتوقيع على الورقة المصرية اولاً مقابل ان تعرض ملاحظاتها وبقية ملاحظات الفصائل على الحوار الوطني الذي سيبدأ فور التوقيع على الورقة المصرية، الأمر الذي أعاد الوضع الى ما كان عليه قبل تشكيل وفد المصالحة، وورقة الخضري، والمبادرة التركية.
وحتى يزيد الطين بلة صرح مسؤول في حركة حماس لم يعرف عن اسمه لجريدة الشرق الاوسط بتاريخ 19/6/2010 بأن حركته تشترط إدراج ورقة التفاهمات التي تتضمن كيفية التعامل مع نقاط الخلاف كجزء من اتفاق المصالحة، رغم ان اوساطاً قيادية في "حماس" نفت ان يكون هذا التصريح يعكس الموقف الرسمي للحركة .
اذاً بيان اللجنة التنفيذية وعودة بعض قيادات "حماس" الى التمسك بموقفها القديم، أدى الى عودة حليمة الى عادتها القديمة، وهذا اذا استمر يمكن ان يدفن الفرصة التي لاحت لتحقيق المصالحة رداً على مجزرة اسطول الحرية قبل أن ترى النور .
فما الذي حصل؟وما الذي أعاد الأمور الى نقطة الصفر ؟
إن الحراك الدولي الذي حدث بعد مجزرة اسطول الحرية لم يكن كافياً وجرت ولا تزال تجري محاولات اسرائيلية بدعم اميركي وتواطؤ دولي لإجهاضه حتى لا يصل الى رفع الحصار كلياً، وحتى لا يفتح الطريق امام المصالحة الوطنية بدون قبول "حماس" لشروط اللجنة الرباعية الدولية، لأن رفع الحصار اصطدم بالانقسام، بحيث يبدو متعذراً بدون مصالحة، وسيؤدي بدونها الى تكريس الانقسام وتحويله الى انفصال دائم .
كما أن الحراك الدولي المهم جداً، أشعر "حماس" بأن وضعها بات أفضل من السابق، وبالتالي انها يمكن ان تحصل الآن على أكثر ما كانت ستحصل عليه، وبالتالي اذا كان هناك احتمال بأن توقع على الورقة المصرية بدون أخذ ملاحظاتها بالحسبان قبل التوقيع، فأن هذا الاحتمال بعد التطورات الاخيرة تراجع كثيراً .
إن بعض عناصر قيادة "حماس" بالغت بأهمية التطورات السياسية ومدى انعكاسها على بقية الملفات من الاعتراف العربي والدولي بدور "حماس" الى صفقة تبادل الاسرى واعادة الاعمار، الى ملف المصالحة الوطنية، لدرجة أن تصريحات صادرة عن عناصر قيادية في "حماس" لم ترحب في البداية باستقبال وفد المصالحة، ووضعت شروطاً لتحقيق ذلك، ودعت الى تأجيل قدومه الى غزة لأنه اذا ذهب الى هناك يمكن أن يحرف الأنظار عن الجريمة الإسرائيلية والحراك الدولي في مواجهتها .
إن الأمانة تقتضي الاشارة الى أن بعض قيادات "حماس" تدرك ان إبداء المرونة بعد تحسن موقف "حماس" افضل لأنه لا يبدو كنقطة ضعف وانما صادر عن موقف قوي يتنازل لصالح الوحدة الوطنية.
كما أن الحراك الدولي أخاف فتح وجعلها تخشى من المرونة مع تحسن موقف "حماس"، لذلك نلاحظ كيف قاومت اوساط منها علناً الجهود والمبادرات الجديدة لإحياء جهود المصالحة، لأنها تتم في وقت غير مناسب لـ "فتح"، وآثرت الانتظار الى حين توفر ظرف يكون مناسباً أكثر لها.
أما مصر، وهي القابضة على ملف المصالحة بتفويض عربي ودولي فهي قامت فور مجزرة اسطول الحرية بفتح معبر رفح حتى إشعار آخر، وقاومت المحاولات الإسرائيلية لتوظيف التطورات الجديدة لتمرير هدف اسرائيلي قديم هو رمي قطاع غزة في حضن مصر، بما يلقي المسؤولية عنه عن اسرائيل وبما يقضي على جهود المصالحة وتكريس الانقسام ويعطي اسرائيل ذريعة مناسبة لعدم التقدم بالمفاوضات وقطع الطريق على قيام دولة فلسطينية.
كما أن مصر، لم ولن توافق كما صرح وزير خارجيتها احمد ابو الغيط على فتح أو تعديل الورقة المصرية مهما أخذ هذا الامر من أشكال سواء باضافة ملاحق او ملاحظات او اي شيء آخر. فالمطلوب مصرياً ان توقع "حماس" على الورقة المصرية أولاً، على أن تؤخذ ملاحظاتها بالحسبان عند التطبيق .
إن مصر تعتقد أن اي تعديل او فتح للورقة المصرية يمس بهيبة مصر، ويقوي حركة حماس، وهذا سينعكس إيجابياً على حركة الأخوان المسلمين المعارضة للسلطة المصرية. كما أن هذا سيغضب الإدارة الأميركية واسرائيل اللذين لا تزالان تصران على ضرورة موافقة حماس على شروط اللجنة الرباعية الدولية وإطلاق سراح جلعاد شاليت قبل رفع الحصار بشكل كلي، وقبل إنهاء الانقسام وعودة "حماس" لمظلة الشرعية الفلسطينية .
تأسيساً على ما تقدم فان الشروط والضغوط الداخلية والخارجية هي التي تكاد تجهض الجهود الجديدة لتحقيق المصالحة الوطنية قبل أن تتحول الى أمر واقع لا يستطيع احد أن يوقفه أو يقف أمامه.
إن ضياع فرصة المصالحة مرة اخرى ينذر بأن الانقسام سيتعمق ويتحول الى انفصال دائم، بحيث يصبح إنهاؤه أصعب وأصعب في ظل منظقة شهدت وتشهد تطورات عاصفة ستسبقنا وتفرض نفسها علينا جميعاً، اذا لم تبادر للالتحاق بها والتأثير عليها وفرض فلسطين ومصالحها وحقوق شعبها على خارطة المنطقة الجديدة .
إن الوطن يا ايها الفلسطينيون، رئيساً وقيادة وشعباً يناديكم ويستصرخ ضمائركم من اجل التحرك العاجل لتحقيق او للمطالبة وممارسة الضغط الكفيل بفرض المصالحة. فالمصالحة تتحقق عندما تتوفر الارادة الفلسطينية اللازمة لتحقيقها. الإرادة التي تعطي الأولوية للمصلحة الفلسطينية العليا وليس للمصالح والأولويات والأجندات الخارجية الاقليمية والإسرائيلية والدولية.
فهل يمكن أن تتوفر الإرادة الضرورية للمصالحة الوطنية. هذا هو السؤال الذي يجب ان يجيب عليه الشعب الفلسطيني بأسره قبل فوات الأوان !!!
Hanimasri267@hotmail.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اترك بصمتك وشاركنا برأيك..